حين صرخ مكسيم غورغي “أين الله” في روايته، لم ينكر الله بقدر ما أراد البحثَ عنه، كذلك شغلته مسألة ليو تولستوي حين قال”أمنيتي هي الله”..
أنطلق من هاتين الصرختين لأقول إنّ هاجسَ أبطال روايتي بعد أكثر من قرن هي عينها، في أرضية أخرى، مشرقية معذبة، قمعيّة ودمويّة ومهجّرة، لأسأل:
ما الجدوى من البحث عن الله ونحن نعلم انه موجود يتدخّل ساعة يشاء؟
ما الجدوى في زمن المآسي، أن نكتبَ رواية عن المآسي ونصوّرها؟
للأرشفة؟ طبعا لا، فالإعلام يؤرشف، والذاكرة لا تنسى ما شوّهته يد الحرب. للتعاطف؟ وما ينفع التعاطف من بعد؟ والمسرح كبير، وما يجري قصةّ حقيقيّة لموت الإنسانيّة على مرأى العالم الصامت…
ما الجدوى من صدى صوت الأنين ونحن نعلم أنّ الأنين لم يردّ يومًا وطنا، أو قتيلًا؟ بل يزيد محنة الروح والجسد؟
ربّما لا جدوى، فتكون الرواية هنا ضربًا من العبث، ومشهدًا رديفًا لما يحدث، وربّما، وفي ال ربما تكمن احتماليةُ تحقيق الأمل، في محاولة تسخير هذا العبث من أجل فهم أفضل لذواتنا عند إعادة خلق هذا العالم المتخبّط بوحوله من جديد.
فرادةُ العمل الروائي، انّه يتسّع لتعدديّة الأصوات بوضوح بعيدا من الترميز والتكثيف، إيمانًا بضرورة الإصغاء، حرفةَ عيشٍ. بالرواية نحن ننتصر على أُحاديّة التعبير، نحن ننتصر على الزمن بطريقة ما، ننتصر على المأساة، حين نشارك في خلق فرح النهايات، وإعلاء مقام الأخلاق بدلًا من التلهيّ في الدفاع عن الديانات، ولو أتى ذلك على حافةٍ بين الواقعي والمتخيّل…إظهارًا لنسبيّة الحقائق.
هجرة الآلهة والمدائن المجنونة، صرخة الكرامة التي تنتفض من فظاعة الذلّ والهوان، تسجيلًا لموقف أمام حركة التاريخ، صرخة فيها الكثير من العتب والغضب والحزن أمام الجنون الأسود، واستكانه إلى الإيمان بالله-المحبّة، المحبّة فقط، أملًا وحيدًا لاستحقاق الحياة… وشكرا لجميع المنتدين والحاضرين، ومن اسهم في تدقيق الرواية، د. ربيعة ود.نازك والاب د. سميح.
كلمتي في ندوة هجرة الآلهة والمدائن المجنونة في البيال 29/ 11/2015

Recent Comments