الحياة… رحلة في الضباب

الحياة…رحلة في الضباب
 يعيش الإنسان حياته كالمسافر أبدًا في الضباب. المحطات بين رحلة وأخرى لا بدّ منها لحجز تذاكر السفر وشرائها، هي الوقفات أمام الذات الواعية حينًا والحالمة أحيانًا أُخَر، حيث يتسرّب نور الشمس بين الفصول في تتابعها، وقرار الإكمال لا خيار فيه، إلّا درجة السفر بين اقتصادية ودرجة أولى.
 ومسكين من يعتقد أنّه يختار رقم الرحلة وليست هي التي تختاره.
 ومسكين أيضًا من يكون قد أنهى زوّادته في المحطّة الأولى… لأنّه سيكمل مديونًا أو شحّاذًا ما تبقّى له من رحلات على رصيف الذلّ، أو جائعًا حتى الموت.
هي الحياة سفر في الضباب. وأيّ الأسفار  تخلو من الأروعين ممّا لا يمكن الغفلة عنه: المتعة والمغامرة؟
وأي الأروعين لا يخلو من خطرين؟ الندم والسقوط، حيث لا ينفع الرجوع، فالمحن ولّادة المحن.
والجنون أن تعي مخاطر الرحلة قبل دخولها ومع ذلك تغامر.
 أن تعي أنّ الضباب ليس معطفًا خاطته لك السماء ليقيك من عيون من ينتظرك على مفارق كشح الحالة الضبابيّة والكشف عمّا ارتكبته عند احتجاب الرؤية، ومع ذلك تغامر وتسافر.
وقبل أن تغامر، أنت في كامل وعيك، الذي يخبرك بأنّ الحماقات الكبيرة
لا ترتكب إلّا  في الضباب، لأنّك يا مسكين ستعتقد بأنّك تعيش في السماء، فلن ترى الحفر الصغيرة منها والكبيرة،  فالضباب يعميك عن تحديد الطريق التي تتوه فيها وعنها… فهو تكثيف ذريرات التمنّي، ورفعك الى السماء، واختلاف حرارة شغف الداخل عن نبض الخارج، ولن تشعر بذلك إلّا أوان الخروج…
في مشوار الضباب، أنت لا تعي المسافات التي اجتزتها، ولا تعني لك في الأصل، ولا تعود مقاييس تحدّد لها طولًا و عرضًا أو قربًا وبعدًا… ولا تسمع إلا صوت من ترتضيه مؤنسًا ودافعًا لك في المضيّ. أمّا صوت ارتطامك وارتجاجك فستسمعه حكمًا حين تعرّق الدم البارد من ندوبك عند تغلغل الوجع… لتدرك متأخّرًا ما كان من هذه الرحلة، ناسيًا كلّ روعتها، أو ما اعتقدته كذلك.
روعة الرحلة اعتقادك أنّك ذرّة من هواء، بكلّ لطيف شبيهٌ ماهيّةً وكينونةً، وإدراكك بخلل في قانون الجاذبيّة، تحلّق حيث شئت من الأمكنة التي تمنّيت الوصول اليها دهرًا من دون أن تستطيع إلى ذلك سبيلًا…
 روعتها اعتقادك بقدرتك على التغلغل في أنفاس من تحبّ، والتنقّل بين الأشجار وانتقاء ما شئت من ثمار، والتحليق مع سرب الأطيار، والغناء والبكاء والرجاء.
Screenshot_2015-01-19-09-44-40
ماليزيا 2014
وروعة الرحلة في الضباب، حين تعيش رومنسية الليل بوعودها الودريّة، أينما ترمي رأسك وسائد من ريش الأحلام، ومخادع الحقائق غير النائمة… هناك، يكون التعرّي كاملًا، لأنّ المرآة مخبّأة، لا تفضح عيوب الذات، فالغمام أخ الغمام، والولادات من ماء سماء تقطّر…
النجوم لك حليفةٌ في احتجابها وظهورها، والكواكب متاحةٌ لك طريقها، ومباحةٌ لك أراضيها، ما عليك إلّا أن تطلق عليها اسمًا، إن استطيبت سكناها.
ويصبح التيه عنوانًا وراية، والاتجاهات في مؤامرة مع القِبلة التي في داخلك، البوصلة تحيا كامل حريّتها، يمينا ويسارًا وصعودًا وهبوطًا،  لا معايير لها أو ضبط اتجاه إلا ما رسم لها بعيدًا…
وتبقى رحلة الضباب ذكرى جميلة موسميّة في سجلّ الفصول، وخبرًا يُحكى مسبوقًا ب”كان”، لأنّ الشمس تشرق كلّ يوم، لكن للضباب مواقيت العبور في مواعيد المطر.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: