الجنون…أجنحة الفرح

الفرح كيان، له اسم يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان، لا يسبح إلّا في الأنهار الجارفة، ولا مصبّ.

للفرح أجنحة تحلّق وتصفّق وترقص في “منازل الرياح” فننسى أنّا كنّا يوما نمشي على الأرض…ومن يأبه. للفرح عيون تري دقائق الأمور، وتعرف كيف تغضّ الطرف عمّا يجب ألّا يُرى. لأنّه يتقنّع بألف قناع وقناع، ويتقن فنّ الاحتجاب والظهور، ليبقي لنفسه قيمة البحث الدائم عنه في ألاعيب الحضور. بسيط هو، لا يحبّ التساؤلات والإجابات المتعدّدة والتأويلات، يكتفي باللمحات والإشارات والدوران في فلك من عنه يسأل

.يتجلّى الفرح في ثلاث:

       في شتّى أنواع العطاء، والعطاء ممّا يفيض لا يعني شيئًا، العطاء ممّا نحن بحاجته

       هو السعادة الأقصى، كفلس الأرملة.

وفي الكرامة، لأنّها هي الأصل والكلمة الفصل، وما تبقّى تفاصيل.

وفي الأمان، لأنّه يُطرد الخوف على المصير، ليتسنّى لملائكة الفرح الاستئثار بالإقامة.

والفرح ينتج في مصنعين:

العقل أوّلا…لأنّ السعادة عادة، تسبقها إرادة. ولأنّنا أبناء الفرح. نحن حقًّا من نقرّر أن نكون سعداء، بتفعيل عمل ذكرياتنا الجميلة التي مضت، بتخزين مزيد من الأحداث المحبّبة في حاضرنا، بصنع غد نتوق إليه. قد يكون الفرح أمامنا ولا نراه، أو كامنًا في الاحتكام إلى الجنون في إطلاقه. لأنّ الجنون هو نشوة الحريّة التي لا يقيّدها عقل وعادة ومتوقّع. وكلّ حريّة لا تناقض العقل، بل تبنى عليه…

فيصبح الجنون ألعوبة العقل في أُلهوّة الحياة. تجليّاته متعة المغامرة في لجّة الخطر، وتأريخ البطولة في سجلّ القدر.

والجنون ليس تهمة، هو اكتمال النضج في فهم العبث، وفتح الأبواب أمام الفرح. لأنّ لذّته كامنة في تعب الآخر من العتب، والاستسلام إلى مشئية الفرح

.

في الجنون، يتمّ قبول الموت صعقًا وحرقًا لرماد يسخر من طبيعة الحياة حيث الروح يتفلّت من قفص الخلايا التي سجن فيها دهرًا.

لا يعني الجنون أنّ العقل في إجازة أو خدّر بمواد الخيبة، بل هو وعي انتقاله من إدمان إلى آخر، واتّخاذه قرار الفصل في المواقف.

الجنون هو القديس الذي يمتلك القدرة على اجتراح الأعاجيب، لا يراها إلّا طالبها الذي يشعر باختفاء جميع أعراض أمراضه. وهو شفيع المنتظرين لأنّه يشفي الإنسان من مرارة الصبر، ويريحه من شقاء، الانتظار.

الجنون هو الطيران حين يمشي الجميع، والمشي حين ينامون…هو الأمل بما يرفضه المنطق لأنه منطق من لا أمل لهم.

وبعد أن تستيقظ من جنونك، تعرف كّم الحماقات التي ارتكبتها وتحتاج الى جنون آخر ينسيك إياها، فما يكسر لا يرمّم.

ويسلبك الفرح ثلاث: غرور وحقد وحسد.

في الغرور لعنة الكبرياء التي تتآمر عليك ساعة تشاء، الزمن لك يرصد، والذكرى صدى لا يرحم.

وهذا يجعلك حاسدًا ينخرك سوس المقارنات ووباء أفعل التفضيل. ليملأ الحقد قلبك، فيتضخّم محتّلًا كلّ المساحات الأُخر، حينذاك لن يتّسع لحبّ أو سعادة ما حييت، حيث لا ينفعك عطاء أو جنون، وتصبح خسارة الفرح حتميّة وتاليًا معنى الحياة وغايتها.

 

2 Comments (+add yours?)

  1. Houda El Khoury
    Aug 21, 2015 @ 13:11:14

    مبروك نتالي

    Like

    Reply

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: